اشتهاءُ كُلِّ الحسناوات في آن

كأنها نائمة،

فتاةٌ جميلة نائمةٌ على العرشِ الأحمر،

واضعة يديها الصغيرتين تحت خدِّها،

ملتحفةٌ بغطاءٍ سويس إير رحلة رقم LX 8046,

رحلة فضائية بصحبةِ المولى،

وفي الخلفية من سمّاعات سوداء تصدح أغنية “حبّة واحدة من المِلح

حبَّة.. حبَّة..

حبّّة لكِ وحبَّة لي،

مِلحُ المولي،

وهذه الحسناء متكئة على جمالها وشبابها،

تحملها الأريكة وتطير بعيدًا نحو الصّين،

ويتحلّق حولنا العطاشى في ليلةِ حُبَ،

والشمسُ تشرق غدًا،

ساقاها الرقيقان يبزغان وراء جوربها الأسود المؤنق,

الشعور بالدفء والعطف والسعادة الغامرة والتحرر والسلام الداخليّ والصفاء والحبّ والامتنان،

كُلٌُ في آن.

نُشِرت في قلة أدب, برقيّات من بروكلين | أضف تعليق

عن استحالةِ استرجاع الرحيل

عنِ الرحيلِ كفِعلِ مُضارعٍ متجدِدٍ مُستمِر،

عنِ الرحيلِ كفعلِ غائبٍ مُستتِر،

عن الرحيلِ كفعلِ ماضٍ راحل،

عنِ الرحيلِ بسبقِ الإصرارِ والترصُّدِ فاعل،

عنِ الرحيلِ كفِعلِ أمرٍ محتوم،

عنِ الرحيلِ كقدَرٍ مقسوم،

عنِ الرحيلِ كمبتدأٍ متأخِرٍ فاتَه قطار،

عنِ الرحيلِ كنائبٍ لفاعلٍ غابَ واستتار،

عنِ الرحيلِ كمفعولٍ به لا حيلةَ له ولا خِيار،

عنِ الرحيلِ كمُطلَقِ ارتحلْ ارتحالًا،

عنِ الرحيلِ الذي ما فتئ وما برِحَ ارتحل،

عن صيغةِ الرحيل كرحّالٍ ورحّيلٍ ورحّولٍ،

عنِ الرحيلِ الخاليَ من المساومات،

عنِ الرحيلِ كخبرٍ بلا مُقدِّمات،

عنِ الرحيلِ الذي ليسَ منه بُدًّا،

عنِ الرحيلِ الذي جُزِمَ ونُفيّ بعيًدا بعيدًا،

عنِ الرحيلِ وحالِ الرحلة ووصفِها ونعتِها،

عنِ الرحيلِ المُعرَبِ المُعبِّر،

وعنِ الرحيلِ المُغترِب المُعذّب،

عن الرحيل الذي لا محلّ له من الإعراب،

عنِ الرحيلِ المؤبّد،

وعنِ الرحيلِ العابِر،

عن جمع الرحيلِ ومُفردِهِ وسؤالِه وجوابِه،

عنِ الرحيلِ الذي ابتدا،

وعنِ الرحيلِ الذي انتهى،

عن أسبابِ الرحيلِ ودربِهِ وسُبُلِهِ،

عن عُسرِ الرحيل وكآبتِهِ وظُلمتِه،

وعن غبرةِ الرحيلِ ووحدتِه ووحشتِه،

وعن غُبارِه ورمَادِهِ،

عن فَتحِهِ وتغليقِهِ،

وعن ضمِّه وتفليتِهِ،

عن كسرِ الرحيلِ ونَصبِهِ وتنقيطِهِ،

عن عزلِ الرحيلِ وتجريدِه من جنسيتهِ وتعريتِه،

عن غَرَقِ الرحيلِ في المتوسِطِ وفُقدانَ الأملِ في نجاتِه،

عن رحيلِه واستحالِةِ إحيائِه.

نُشِرت في قلة أدب | أضف تعليق

رسائل إلى حبيبتي: التاسعة

بعد التقاط هذه الصورة بحوالي ثلاثة أشهر، سُرقت هذه الدراجة بعد أن تركتها وحيدة كحِصان درويش في جادة الأطلسي بالقرب من بار القديس جمبرينس عليه السلام. (الصورة من شارع بدفورد بحي ويليامسبرغ)

أرُشُ عطرَكِ الفوّاح بسخاء من قنينة خضراء لفّها الغبار على جسدي وفوق فراشي كي يغلفني ويسترني ويُعميني عن رائحة الدمارِ والرماد في المدينة المصروعة.

“الفاير سّكيب” مش ظابت قوي بلاَكِ…بلا طعم… بالرغم من أني على مبعدة سيجارة أو اثتنين من كل الأماكن التي أهواها ولكن الكورونا سكّرت معظمها.

حاولت فتح باب شقة 3 دي بالخطأ، فلنا معها ذكريات جذّابة ستبقى معي لوقت طويل. اندهشت عندما وجدتها مغلقة فحاولت تحريك المقبض يمينًا ويسارًا بلا جدوى. بعد حوالي عشر ثوان تذكّرت أن شقّتي بالطابق الأعلى.

لم أكن أتصّور في مارس من العام في الماضي في بداية الجائحة لمّا كنت أحمل درّاجتي–وغالبًا لدى رجوعي من فلاتبوش–نزولًا وصعودًا من قبو البناية أن تلك اللحظة سأكررها يوميًا في شقّتي الجديدة، على الأقل لشهرين آخرين حتى سرقة الدرّاجة في أكتوبر.

القلب وتقلّباته — ليونارد كوهين

سألتيني يومًا في الصيف الماضي عبر مهاتفة فيدة عن حالي. قلتُ لك حبّة فوق وحبّة تحت.

كذبتُ عليكِ، فأنا غير سعيد.

ولا مشاعر في أي عملية جنسية بلاكِ–معكِ فقط، ترقى تلك العملية لمرتبة الحب.

بعد رجوعك لبيروت بأيام، ذهبت لجلب الدراجة التي تركتها وحيدة في جادة بِدفورد بعد أن خُرق إطارها الخلفي أثناء عودتي من آخر رحلة لمانهاتن–بينما كنت أنت لا زلت في بروكلين–ولكن يا للغباء.. استأجرت دراجة سيتي بايك لحوالي ساعة لأكتشف في نهاية الرحلة أني تركت مفتاح دراجتي وحيدًا كذلك على مبعدة خمسة أميال في فلاتبوش. 

حديقة مكّارين في بروكلين (يوليو 2020)

مشيتُ على مهل لمكاننا المعهود في حديقة مكّارين وجلست هناك وحيدًا على مقعد أستحضر ذكراك.

اتفقنا على أن نتحدث أقل أو عن الترهات فقط أو لا نتحدث على الإطلاق كي نطلق الغضب فينا والخصومة والحب. اتفقنا على المضغ السريع بغية الهضم بدلًا من ألمِ المضغ البطيء. اتفقنا ألا نتفق.. اختلفنا على الاتفاق.. واتفقنا أن نختلف… أن نفترق.

انتهزنا فرص البعادِ لخطف نظرة صوب مستقبلٍ بلا شريكٍ يحفظ خواطري وتضاريسي وأعرفه.. تسللت أنا بين لحظات الانتظار–انتظارك للعودة لبروكلين–ولكنك لا تفارقين بالي على أي حال.

ناموس بروكلين

أتذكر آخر أيامِك في بروكلين قبل الوداع؛ لعب الورق، شُرب العرق (والبيرة والنبيذ) على مخرج الطوارئ في ليالِ الصيف، ودردشتنا مع جارنا مايكي الذي سأستأجر شقته في نهاية الصيف، وتظاهرات العدالة الاجتماعية، وركوب الدراجات من ويليامسبرغ لفلات بوش ذهابًا وإيابًا، وحادثة كسر قدمك اليمنى، فضلًا عن الرّطوبة والبعوض وعض الناموس في صيف نيويورك.

وأتذكر أول أيّام الجائحة في مارس وكيف أننا حاولنا توثيق آخر مشروب في بارات المدينة ووثّقتِ أنتِ ببراعة أولى معالم الكوڤيد والقفازات الملقاة في الشوارع. وبالمناسبة، لا يرتدي أي شخص تلك القفازات البيضاء والزرقاء الآن. صارت جزءًا من الماضي مثلها مثل خوفنا من الكورونا وحديثنا الدائم عنها.

وأتذكر كذلك 15 مارس 2019، أي منذ عامين بالتمام والكمال، وقبل زمن الكورونا، عندما قال لنا شخصًا في حانة النجمة الواحدة في شارع 24 غرب إننا “أروع زوج” في البار، وقلتُ لك وقتها إن “حياتي تشبه سيارة قديمة بدون مكبح يقودها سائق متهور على الأوتوستراد.”

أتعلّم الرقّ الآن كما تعلمين مع صديقنا المشترك جوني.

ورق اللعب لا زال على الطاولة والعرق أشربه بدونِك.

من مجلة نيويوركر — صيف 2020

تبزغين في مجالك الفنّي والأكاديميّ كنجمة برّاقة يومًا بعد يوم بكل استحقاق وجدارة وذلك لعكوفك على العمل بدأب وبلا توقّف.

ونيويورك دخلت في نهاية الصيف الماضي في المرحلة الرابعة والمطاعم والحانات تستقبل الزوار في الهواء الطلق في تلك البُنى الخارجية التي صارت جزءًا لا يتجزأ من عام الجائحة ومعالم المدينة، التفّاحة الكبيرة.

وعلى ذِكر الجائحة، قضيت ربيعًا وصيفًا رائعًا في عام 2020، نصفه أو أكثر معكِ. فكما تعلمين، كم أكره الاستيقاظ باكرًا، خصوصًا مع الهانجوفر، وخصوصًا أن عملي لا يتسلزم على الإطلاق استقلال القطار، فأنا سعيد كعامل منزلي، أنام وأتريّض أكثر، وأتمشّى وقتما يحلو لي، وأقضي وقتًا أطول في التجهيز لليالي السّمر والفرفشة.

أتتذكرين ذلك السنجاب حرامي الپوپ كورن؟ عفريت عالآخر.. هاها..

نُشِرت في رسائل إلى حبيبتي | أضف تعليق

استغراق

غُرِمتُ بثغرِكِ وجدائلِ شَعِركِ،

مسّني سهَرُ مُحيطِكِ،

وهدتني شُرُعُ فُستانِكِ البرتقاليّ.


والعالمُ والحربُ والسَّهمُ والحبُ،

خلّفتَّها للّحاقِ بسرْبِكِ،

ولكنَكِ طِرتِ..


وبعد رحيلِكِ ورحلتي،

هل كُنتِ هنا؟ وهل كُنّّا معًا؟!


من فتّتَ قلبَ من؟

ومن خُزِقّت زوارِقُه؟

من مِنّا انزوى ومن ارتقى؟ّ

من رحلَ مِنّا ومن بقى؟

من عطِشَ ومنِ استقى؟


طوّقتُ رياحَك وموانيك،

وخطّرتني أشعارُ لياليِكِ،

ورُغم أنّي العارفُ بالليلِ،

في هواكِ جهِلتُ مراسيكِ.


وبعد نجاتِكِ وغَرَقي،

أُسائلُ في زُرقتي،

هل كُنّا هنا؟ هل كُنّا معًا؟!

نُشِرت في مذكرات ليونارد كوهين | أضف تعليق

رسائل إلى حبيبتي: الثامنة

وماتت السّمكة..

حقّك عليّ يا حلوة.. متزعليش منّي.

يكتب آفونسو كروش في رواية دُمية كوكوشكا، ترجمة مها عطفة:

“صار الأحياء في كلّ مرة أكثر موتًا. آلاف مؤلفة من المدنيين متناثرة على الأرض وفي السماء بأجساد ممزقة ومقطّعة إربًا ليس من ورائها نفع. تلك أحجية على الله أن يحلّها بأن يجمع الأسنان والأنياب والأضراس والقواطع المغروزة في الجدران، فضلًا عن العظام المشكولة على الأرض كالرّايات…وضعت الحرب أوزارها بعد أن أتت على كل شيء: المنازل والعواطف والسّاعات السويسرية”.

لم يكن ذلك مقطعًا عن بيروت آب 2020 بل عن قصف درسدن أثناء الحرب العالمية الثانية. أوجه الشبه كثيرة بما فيها، ويا لسخرية القدر، أن القنابل التي استخدمها الحلفاء احتوت على 3,900 طنّ من المتفجرات مقارنة بالـ2,750 طن التي فجّرت قلب بيروت. لا نبض تحت ركام المدينة العتيقة ولا مؤشر لحياة، وفقًا لفريق الإغاثة التشيلي.

پروسپكت لا توطأ بالأقدام

جالس وحدي في ليل أغسطسيّ بارد على غير العادة، درجة الطقس أعتقد أنها ست عشرة، جاء كلبٌ أبيض لطيف جدًا في حديقة مكّارين يلحس فخذي ويشمّني الآن.. عفوًا، درجة الطقس 21 ولكن سرعة الرياح ستة عشر كيلومترًا. العتَب على البيرة التي شربت منها ثلاثة عِلَب حتى الآن. أفكر فيك وأفكر في بيروت وأهلها بعد هذه الفاجعة.

حين يسيرُ أحمد فإنّه يحملُ پروسپكت پارك في داخِلِه كاليهود كما يحملون أرضَ الميعاد. پروسپكت لا توطأ بالأقدام، بل بالروح، هكذا فكرت اليوم (وكلّموني تاني عنّك).

افتتحت هذا الملف السّحابي، الذي أنقر فيه لكِ رسالتي الثامنة “رسائل ضائعة”، في وقت سابق بتلك الملحوظة التي وجّهتها لنفسي المستقبلية، وأنا محترف ترك ملحوظات للمستقبل والماضي أحيانًا بلا داع، “سأحدّث هذا الملف لسنة أو اثنتين ولن أنشره إلا عندما أحسبه جاهزًا وليكن تتمّة الرسائل”.

ولكني اكتشف مع رسالتي السابعة أنه لا تتمّة للرسائل معك لأننا سنبقى دومًا مُعلّقين كذلك بين بين، حتى ولو كان دون معرفة الأهلِ والأقرباء ولأنه يصعب عليّ تصوّر سيناريو تكونين فيه في نفس المدينة ولا أراكِ وأعانقك.

عن الپورن هَب پريميم والقهوة العربية وشره الاستهلاك

شاهدت بضعة أفلام على پورن هَب وشُفت تعليقًا على إحدى الفيديوهات يشكر صاحبه فيه الكورونا على نعمة الپريميم، وخلّصت ما تبقى من قناني الكحول التي أقتنيها واحدة تلو الأخرى لقلة ترددي على متاجر الخمر خوفًا من الفيروس القاتل المستتر. دولاب كحولياتي الأبيض شبه خال ربما للمرة الأولى منذ أن ابتعناه سويًا من أيكيّا في حيّ جوانص.

أحيانًا يزورني الهانج آوفر مُحمَّلًا بالحنينِ إليك والمفاجآت. والآن بينما أدخّن وأحضّر القهوة العربية أو التركية التي جلبناها من بيروت سويًا في عهدِ مضى، اندلقت رغوتها على الموقد. عادة لا أفلح في إطفاء النار تحت القهوة قبل أن تنضح رغوتها.

أعاني من شره الاستهلاك المزمن، بينما أدخّن سيجارة أفكر في لفِّ الثانية وبينما أصبُ كأسًا أنظر للقنينة وأفكر كيف سأخلّص عليها الليلة للوصول لذلك السُكر العربيد. مشكلة كبيرة، أليست كذلك؟

عودٌ على بدء

جالسان على مخرج الطوارئ سويًا في شارع جراند، أنت مستلقية على فخذي بينما تقرأين فرانز فانون وأنا أكتب بيَدٍ ونصف، أحاول النقر على لوحة المفاتيح بيدي اليمنى فوق رأسك. القمر شبه مكتمل والطقس كان ممطرًا اليوم وغدًا يبدو أننا سنستقل دراجتين لشاطئ روكواي. الأسبوع الماضي كان عيد ميلادي واحتفلت به مع أنس وهو كذلك يوم ميلاده ورولا والأصدقاء والأسبوع الجاري خضناه في تظاهرات عدة من فلاتبوش لويليامسبرج تضامنًا مع جورج فلويد واعتراضًا على وحشية الشرطة الأميركية في تظاهرات لم تشهد الولايات المتحدة لها مثيلًا لعقود، وتذكّرت عندما خرجنا معًا ليلًا كذلك في تظاهرات حياة السود مهمة في مانهاتن من ست سنين بعد مقتل شاب أميركي أسود آخر في شوارع فيرجسون، ميزوري، في عام 2014.

بسرعة تحوّل اهتمام الإعلام والرأي العام الأميركي من الكورونا لتظاهرات العدالة الاجتماعية المناهضة للعنصرية، وتحوّلت أصوات التصفيق للأطقم الطبيّة في السابعة مساء لأصوات تصرخ بأن حياة السود مهمّة، وتحًّول صفير الإسعاف للألعاب النارية، وزادت على القفازات والأقنعة المستعملة الملقاة في الشوارع، والتي اعتدنا رؤيتها حتى تجاهلناها وصارت مثل أعقاب السجائر، لافتات تظاهرات الشبّان والشابات، وصار منظر الحانات والمطاعم تقدم خدماتها للزبائن في الهواء الطَلق مظهرًا تقليديًا لنيويورك.. ماذا سيحدث في الشتاء القادم؟

شفت أظافرك المقلّمة بعناية في صورة رفعتيها لملفّنا السحابي المشترك تحمل بيرة لبنانية..وأُعجبتُ بها جدًا.

شارع جراند، شمال بروكلين، سبتمبر 2020

بمناسبة عيد ميلادك، خلّصت لتّوي آخر قطرة من خمر الرّاكوميلو الذي ابتعناه سويا من مقطرة پريتوس في منطقة پلاكا في أثينا من أربع سنين على مقربة من معبد الأكروپوليس العظيم. شربت في صحّتك وحدي وتخيّلتك سعيدة وتضحكين ضحكتك المشرقة في قارة بعيدة بصحبة أحبائك وما أكثرهم. والآن أستعد لمباراة تنس ليلية في ويليامسبرج مع دوناتو. سأعود إليك بعد ساعات ورسالة جديدة بالإنجليزية هذه المرة.

نُشِرت في رسائل إلى حبيبتي | أضف تعليق

رسائل إلى حبيبتي: السابعة

لا أدري لماذا قررت ختمَ رسائلي لكِ عند السابعة بالتمام، ولا تسيئي فِهمي، فأنا أدرك أن سبعة عدد سنيننا معًا، ولكن هل حقًا توقفنا عند السّابعة؟ ففي ثمانيتنا، طبختُ لك ريزوتّو مأكولات البحر بجبن الماسكربوني والكالمار والنبيذ الأبيض والذي طبخته لعشيقة ونصف وبضعةِ أصدقاء.

أدركت فقط الآن أني لم أنشر رسالةً لك منذ قرابة السنة. اندهشت لأننا تكلمنا عن تلك الرسائل وعن مشروعنا “قبل الرّحيل” في مناسبات عديدة. ودائًما أفكر فيها وعن محتوى الرسائل القادمة. هل قدرُنا أن نظل مُعلّقين هكذا للأبد، بين بين، لسنا تمامًا مفترقين ولا تمامًا حبيبين.

يا له من عام ملئ بالمفاجآت والجائحة تجتاح العالم بينما وجدنا أنفسنا نسكن سويًا لأربعة أشهر معظمها رائعة انتهت بكسر في قدمِك اليُمنى وتعزيلي المفاجئ من فلاتبوش لويليامسبرج شمالًا، حيّ لطالما تطلّعت للعيش فيه.

كتبتُ هذه الرسالة في أبريل بينما كانت الجائحة في بدايتها (ولا يبدو أن نهايتها قريبة في الأفق) ولكني لم أعاودها إلا في منتصف الصيف وتحديدًا في آواخر يوليو بعد أسبوع من رحيلك والشوق يغمرني لكِ ولأيامنا معًا التي كانت قريبة، وكحالي دومًا، أفرّغ هذا الشوق بكتابةٍ أو قراءة تلك الرسائل أو بالتلصص على أخبارك على مواقع التواصل أو على ملفّنا المشترك على جوجل بحثًا عن صورٍ أو تحديثات جديدة منكِ أو طبعًا بتقليب الذكريات والصور المحفوظة على هاتفي.

لمّا تركتِ المرة السابقة وبدأنا مشروع “قبل الرحيل” صار ملجأي كلما اشتقت إليك أو وددت أن أتواصل معك وأتصل بك من .خلال الملفات السحابية

ودّعتك وكنت قلِقًا عليك من ركوب الدرّاجة خصوصًا بعد يومٍ عاصفٍ وممطر ومزحتُ قائلًا إنني أحب “Mansplaining”، ولكني كنت قلِقًا في الحقيقة، وهذه عادتي.. قلوق زيادة عن اللزوم بيد أنّه يتوجّب عليّ أن أقلل من هذا الهلع غير المبرر على رفيقاتي.

صورة من ويليامسبرج في مارس 2020. (رولا خيّاط)

استقلّينا درّاجتين وعبرنا بروكلين من شمالِها لوسطِها لأول مرة في سنيننا الثمانية معًا بينما الطاعون يضرب نيويورك والعالم وركبتِ خلفي على دراجة ريڤيل الكهربية (والتي أقفلت). ملأنا قناني البيرة من بوتيك في شارع الاتحاد يملكه زوجان من روسيا وروسيا البيضاء ومن متجر “بير كارما” ومن حانة “روك آن رولا”، والتي قلتِ إنه كان كُنيتِك وأرسلتيه لعشيقك اللبناني. جلسنا على مخرج الطوارئ ندخن ونشرب الخمر ونقرأ الشعر. لعبنا البوكر وهزمتيني في لعبة البوجل وتعللت أنا بأن الإنجليزية ليست لغتي الأولى. طبخنا وغنّينا وقرأنا وضحكنا ورقصنا مع حفل “هاوس أوڤ يس” المنزلية وشاهدنا أفلامًا لأمير كوستُريكا وعباس كيارستمي، وقرأنا واستمعنا للأخبار الواردة من العالم خارج خفّة منزلنا بقلق، وتلقّينا أخبارًا بعضها جيدة ومعظمها سيئة، وقصدنا المتاجر لشراء حاجياتنا ثم عدنا أدراج بناية 765 شارع جراند لتعقيم أيدينا وملابسنا خوفًا من المجهول وترجّلنا شوارع ويليامسبرج بين علامات الساعة من أقنعة وقفازّات وشرائط لاصقة زرقاء تحدد مواقف الاصطفاف البشريّ الآمن على الأرصفة خارج المصالح والمتاجر بينما تلتقطين أنت صور المدينة وقد سكنها الأشباح، وارتدى من بقى على قيد الحياة أقعنة تغطّي ملامحهم وصفير الإسعاف يضجّ مضاجعنا، وقضينا ساعات غروب شمس الربيع وأيامِه الباردة أحيانًا في حديقتيّ مكّارين وكوپر بين لافتات: Keep Six Feet Apart

قصدنا حديقة پروسبكت وعرّفتُكِ إلى بعض أصدقائي الجدد. وأكلنا من مطعم تايلاندي في الجادة الخامسة، وقابلتِ فُرات التي تعلّقت بِكِ — وكما تعلمين، لم أجلب تلك القِطة سوى لتأثير بِلّو عليّ وتعلّقي به.

خمّرنا البيرة سويًا وكذبتُ على أمّي التي شافتها على فيسبوك ستوري، فقلت لها إنها شوربة عدس باللحم، فابتسمتين أنت ابتسامتك الرقيقة على تلك الكذبة البيضاء وقلتُ لكِ إنّي كذّاب ماهر، فأومأتي برأسِكِ ورددتي: “ولكن مُش عليِّ”، وقلت أنا “طبعًا يا حلوة”.

بالرغم من إدراكنا أن تلك اللحظة العابرة من الزمن جمعتنا في هذا الظرف العالمي الطارئ، وأنك ستعودين لبيروت أو لآوروبا أو تبدأين مغامرة جديدة في قطر، وما في ذلك من سخرية القدر أننا اجتمعنا وقضينا تلك الشهور معًا في ظل التباعد الاجتماعي، إلا أنني لم أدرِ أنني سأتعلق بِكِ مجددًا وأتشوق لرؤياك كلما افترقنا ليوم أم اثنين بسبب رجوعي لتأمين طعام القِطة المخططة، بل وأخُطُ لك رسالتين جديدتين في ليلة واحدة.

قبل أن تعودي أدراج ويليامسبرج اليوم بينما كانت أم كلثوم تفرّد “كان لك معايا..” نظرتُ حولي بحنين لأثاث المنزل الذي يحمل كل ركن فيه لمستك والذي ابتعناه سويًا من آيكيا قبل أربع سنوات–وقد أدركت مع العِزال أننا اشترينا أكثر مما احتجنا كعادتنا–وركّبناه سويًا ثم نظرتُ لك وكنتِ كعادتِك مُنكبّة على هاتفك. وضعتُ ذراعي فوق كتِفِك محاولًا إلهائك عن هاتفك–وتلك مهمة مستحيلة–ومارسنا جنسًا خاطفًا ولذيذًا قبل اجتماعي اليومي.

قلّ التوتّر في هذه الفترة من وِصالِنا مقارنة بالمرة الأخيرة وخصوصًا الشهر الأخير قبل رحيلِك في ديسمپر الماضي. وما زالت حقيبتي زيتيّة اللون من تلك الرحلة لشمال الولاية لزيارة مَبيرة أومنجانج، والتي استأجرت لها سيارة وقدتها حوالي أربع ساعات للاستمتاع بالبيرة وساعات خاطفة من الزمن بين ذراعيك، ملقيّة على أرضيّة غرفة نومي حتى اليوم. لم أفرغها من كل محتوياتها بعد ربما لرغبتي في تأبيدِ الذكرى–كعادتي.

تذكّرت تلك الرحلة الرائعة والخاطفة لبوسطن في نوفمبر لزيارة أصدقائك وتناول عشاء عيد الشكر في منزل عائلتهم. كان يومًا بديعًا. زُرنا مَبيرة سام آدامز بالطبع ومتحف بوسطن ومشينا شوارعها الجميلة وتبادلنا ذكريات زيارتنا للمدينة مرتين سابقًا، إحداهما لدى مولد ابن شقيقي الذي لم أتمكّن من احتضانه حتى الآن بسبب تعقيدات جوازات السفر والحدود واللجوء والوضع السياسي المزري في مصر بما فيه القهر والتضييق على الحريات والمعارضين، والأخرى أثناء تصويرِك لفيلمك الوثائقي.

رفقائي الجدد بجانب الشراب، كيس تبغ جولدن فرجينيا وقدّاحة وورق لفّ

أعاني من ذلك المرض النفساني الذي درسته في سنين كلية الطب الضائعة، والذي علّقت عليه أنت بينما كنا في شارع جراند مؤخرًا، وهو الوسواس اللامنطقي الذي يدفعني للبدء من حواف الشيء بدلًا من عُمقه أو الانشغال بأبسط الأمور وليس بأعظمها أو إنجاز المهام الأقل أهمية قبل تلك الأكثر أهمية.

نظّفت الصحون، شغّلت ليونارد كوهين يغني عن الغجر واليهود واحتراق المدن وعدم وجود إله، فتحت تويتر، ألقيت نظرة على تنبيهاتي، لففتُ سيجارة وكادت نارها تحرق شاشة الكمبيوتر، وفكّرت في عدم دفع إيجار شهر أبريل والتعلل للمالِك بتأثير الكورونا على الاقتصاد العالمي. صفّقت مع سكان المنازل المحيطة تحيةً لعاملي المستشفيات الذين يتصدّون للوباء ويصارعونه على الخطوط الأمامية واحتسيتُ ما تبقّى من قهوة الصباح التي حضّرتها لكِ. وخُذي هذه: قررت لأول مرة يمكن منذ سنة أو أكثر أن أنظّف ماكينة القهوة، فملأت نصفها مياه والنصف الآخر خلّ عصير تفاح وضغطت على زرّ التشغيل فجعلت رائحة الشقة خلًّا. وبعد تلك الدورة، ملأتها كلها بالمياة وشغّلتها مرة أخرى. ثم احتسيتُ ما تبقّى من الجين تونيك، بعد أو وضعت فيه بعض مكعبات الثلج، الشراب الذي حسبتيه مياه فبصقتيه في حوضِ مطبخنا وتركتِ ما تبقّى من الكوب لي، وقلتِ لي إنك احتسيتِ أربع جرعات من خمرِ المصطكى في الصباح قبل محاضرتِكِ، وهو الأمر التي اعتدتِ عليه منذ مقابلة قبولِك في جامعة كولومبيا في أول سنة تعرّفنا على بعض في الزمالك. بل حتى وبدأت في خطّ رسالتي الثامنة.

عندما أكتب إليك، أشعر وكأنني أحكي لكِ وأنت تُصغين. أكتب عن بعض التجارب والذكريات بعضها مترابط والبعض الآخر مشتت والتي قد أشاركها معكِ أثناء حديثنا، وأبوح لك كذلك عن أفكار أخرى قد أفضّل عدم مشاركتها معك في الحديث بل عبر الكتابة، ذلك البوح الذي أستغلّه لممارسة هوايتي المفضّلة في عدمِ البوح أو التهرّب من المواجهة، عادة ستلوميها أنتِ على برجي الجوزاء وتقولين أنّي أشاركها مع شقيقك المولود في اليوم ذاته. في حقيقة الأمر، عندما أكتب رسائلي هذه، أشعر أنّي كاتبًا وهذا شعور لا ينتابني كثيرًا خصوصًا وأنني أعاني من بطء الكتابة وندرة الإنتاج المزمنين حتى أنّي أخطئ كثيرًا أثناء كتابة الحروف العربية على حاسوبي فتخرج الفاءُ قافًا والحاء خاءًا. عندما أفتح صفحة بيضاء على حاسوبي، أشعر وكأنّي أصارع اللغة، فالكلمات تولد قيصريًا بصعوبة وإجهاد، ولكن كلمات رسائلي إليكِ تنسال بيُسرٍ وسهولة، وقلّما أفتح صفحة مترجم جوجل للبحث عن أفصح المرادفات لما أفكر فيه أولًا بالإنجليزية.. العبارات والمعاني في رسائلي إليكِ تتسلل إليّ بسهولة وتسيلُ على الصفحة البيضاء مثل رغوة القهوة العربية التي عادة لا ألحق إطفاء نارِها قبل نضوحها.

أشتاقُ إليكِ عندما ترحلين ويجتاحني خليط من حنين وندم ورغبة جارفة بالكتابة وخصوصًا تلك الرسائل.

فكّرت في ركوب درّاجتي ومفاجآتك؟! هل سأفعلُها أم أنني سؤجل “مواهبي” لبعدين؟ الطقس عشر درجات مئوية..

تحديث يوليو: أجّلت مواهبي لبعدين..

نُشِرت في رسائل إلى حبيبتي | تعليق واحد

عن الكوڤيد والفتيات الكتالونيات

IMG_1403

حديقة مكّارين في منطقة ويليامسبرغ في حي بروكلين في مدينة نيويورك في يوم 4 أبريل 2020.

 

يوميّاتُ الحَجر

في الصباح، أحمرُ شِفاهِكِ كان قد تملَّكَ من حافةِ علبة البيرة البولندية التي ابتعنا آخر مخزونها من متجرٍ صينيٍّ واقعِ على تقاطع الشارع الكبير وجادةِ الاتّحاد.

ركَصنا في حديقة مكّارين قبل أن يضرب الطاعون بروكلين… شرِبنا بيرةَ الهندِ الشاحِبة من مبيرةِ النصف الآخر ملأناها طازِجة من بوتيك بيرة قريبٍ من الحديقة يملُكُه زوجان من روسيا البيضاء.

رقصنا ولهونا وكأن نهاية العالم يفصلُها عنّا مخرج الطوارئ الذي حرقتَ عليهِ عشرات السجائر والمُطِّلُ على الفناء الداخلي لبناية رقم 765 في الشارع الكبير.

نتناولُ أُرزيّةُ مأكولاتِ البحر بالجمبري والمحار والمشروم والنبيذُ الأبيضِ في سنويتنا الثامنة… عمايل إيديّ وحياة عينيَّ. اقرأُ لكِ “عنِ الرّحيلِ” في محاولةِ للهرب من إنجازِ روايتي التي لم أكتب منها سوى ثلاثين صفحة، وأنَسْ هرِبَ من الطاعون بصحبة صديقته آريان ِإلى المكسيك. أُمررُ إصبعي على حاسوبي بسرعة متنقلًا بين التعابير وتقعُ سبّابتي على ذلك الرمزِ تحديدًا: 🎪

دفعَ الحظُ مُفكرتي السوداءِ في يدي ووجدتُ نفسي أُقلٍّبّ صفحاتها بين الإنجليزية والعربية وقليل من الفرنسية التي تسللت إليها بإيعاز مؤخرًا من امرأة أميركية تونُسية يبدأ اسمُها بحرفِ الكافِ أعطتني كتابًا يحوي قصصًا قصيرة لأنيس نين.

 

⧪⧪⧪

 

IMG_1415

 

تنبيه خدمة عامة: والآن تحديث بشأنِ كوڤيد 19

يستهلُ سُكانُ المدينةِ ببُطءٍ مراسِمَ العَداءِ كُلٌ على حِدةٍ وعلى مبعدة ستة أقدامٍ من أقربِ إنسان، وصفيرُ سيارات الإسعافِ تعزِفُ سيمفونية العُزلة وتعلنُ بدءَ ربيعِ الخوفِ ونهايةِ العالم، وتصرُخُ أصواتٌ عبر مُكبِّراتِ تُنبئُ بكارثة تاريخية محتومة:

على السّادة المواطنين التزامُ الذُعر،

وعلى المسافرين التجمدُ في الفضاء،

وعلى النائمين التمرُّنُ على اعتيادِ الكوابيس،

وعلى العمالة الضرورية تغطية وجوههم ووجوههن والامتناعِ عنِ العَطسِ والتدخين بلا داعٍ،

وعلى كبارِ السِنِ اعتكافِ المنازل،

وكُتِبَ على المؤمنينَ الكُفرُ الآن واعتزالِ دورِ العِبادة،

وعلى الطُلابِ التعلَُمِ عن بُعد،

وعلى الشباب والمراهقين ممارسة الجنسِ عبر الفيديو أو الاستمناء.

(فاصِلُ صفيرِ إسعاف)

على السّادة المواطنين التزامُ الذُعر،

وعلى المسافرين التجمدُ في الفضاء،

 

⧪⧪⧪

 

والآن فاصِل عن الفتياتِ الكتالونيات

عندما أُقَّبِّلُّ مِيْرْ، تفتحُ فمَها الصغير وتمضغ شفتيّ كغجريّة جائعة بلا مالٍ ولا عنوان فقدت طريقها لوسَطِ المدينة وتسكّعت بصُحبةِ شُبّانٍ سكارى حتى الصباح، ثم تعُضُ لساني بشفتيها بقوّة وحنيّة وتبتلِعُه مثل سائرِ الفتياتِ الكتالونيات. وذلك فاصلٌ من كتاب المبالغة… فأنا بالقطعِ لم أنم مع كل النساء الكتالونيات بل اثنتين منهُنّ فقط وكلتاهُما قّبلتني بنفس ذاتِ الطريقة، فتحت فمَها وسبَحَت في فمي تلعقُ لساني وتمضغه وتعُضُّه، لدرجة أني ظننتُ أن تلك هي طريقة التقبيل الرسمية في الإقليم.

نُشِرت في برقيّات من بروكلين | أضف تعليق

* الجِنسُ في زَمَنِ الكورونا

1920px-SARS-CoV-2_without_background
رسم إيضاحي للفيروسات الإكليلية (المراكز الوطنية الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها يا ذكي )

إيمانًأ من مدينة نيويورك بأن القالب غالب والكَيف غلّابّ،

وتعبيرًا عن مواساتنا لسكّان المدينة وخصوصًا الشباب والشابات والمراهقين والمراهقات في ظل العزل الاجتماعي المحتوم بسبب فيروس كوڤيد 19،

وحرصًا على صحّة ورفاهية السكان بغض النظر عن العِرقِ أو الجندر أو المستوى الاجتماعي أو المواطنة،

وتقديرًا لدور المدينة الرائد في نشر البهجة ونثر أسباب الفرفشة،

واعتزازًا منّا بأهميّة التنفيسِ والترويح،

وتعزيزًا لركائزِ الشهواتِ والنزوات،

وترسيخًا لضرورة لُحمةِ المجتمع في المِحَنِ كُلِّها،

ووعيًا بأنَ ممارسةَ الجنس الآمن بالتراضي حقُّ رئيسي من حقوق الكائنات،

وتأمينًا للسعادة،

وتثبيتًا للمتعة،

وتأييدًا للنشوة،

وفي إطار مبادرة الصحّة للشباب والجنس للجميع، أصدرَ المجلس المحليّ لمدينة نيويورك المنشور التالي:

بناءً على تعليمات عمدة مدينة نيويورك في ساعته وتاريخه، يتعيّن على جميع سكان المدينة البقاء في المنازل وتعليق الأنشطة الاجتماعية وتقليص فرص الاتصال بالآخرين حتى إشعارٍ آخر وذلك للحد من تفشّي وباء الكوڤيد 19 والذي يسببه الفيروس الإكليلي أو الكورونا.

ولكن ماذا عن الجنس يا برنس؟! إليك بعض النصائح حول كيفية الاستمتاع بالجنس وفي نفس الوقت تجنّب الإصابة بفيروس الكورونا أو نشره عن قصدٍ أو دونَ قصدٍ يا خالد.

FlattenTheCurveCDC
تسطيحُ المُنحنى.. فالمؤمِن مُبتلى

سين سؤال: كيف تنتشر الكورونا؟

جيم جواب: قد تُصاب بالكورونا من شخصٍ آخر مُبتلى. ولفيروس الكورونا القدرة على الانتشار من على مقربةِ ستةِ أقدام (ياردتين أو مترين) خاصة مع السُعال أو العطس. ويمكن كذلك للفيروس الانتشار عبر الاتصال والاختلاط المباشر باللُعاب والمخاط، فاحذر يا حِلو واتّبع الإرشادات التالية للتقليل من فرصة انتشار الفيروس:

  • مارِس في شهر مارِس وأبريل ومايو الجنس مع هؤلاء الذين تجمعك بهم علاقة مُسبّقة (هذا ليس وقتًا للشقاوة يا شقي)
  • أنت نفسُكَ الشريكُ الأكثرُ أمانًا فالاستمناء (أو ضرب العَشرة) لن يُعديك بالكورونا–إلا إذا كنت نفسُك مُصابًا–خاصةً إذا حرصت على غسل اليدين والألعاب الجنسية-إن وُجِدت-بالصابون والماء الدافئ لمدة ٢٠ ثانية على الأقل من قبل وبعد ممارسة الجنس
  • شريكُ السكن أو الفِراش هو ثاني أكثر الأشخاص أمانًا بعدَك أنت (#justsayin)
  • إن ظهرَت أيًّ من أعراض المرض عليك أو على أي من شركاء الجنس، فأعرِض عن الجنس معهم/ن كليّةً يابن الحلال وخاصةً التقبيل الفموي. قد تظنّ أن وضع الكلب يا كلب أو الجنس الشرجي يقللُ من انتشار المرض ولكنكما ستتهيجان في وقتٍ ما وستضطران بلا شك أن تتبادلا التقبيل والسوائل الأخرى. خذها منّي نصيحة وأعرِض لتسطيح المنحنى وأنت الكسبان)
  • إذا كنت أو أيّ من شركائك/شريكاتك ممن يعانون من الأمراض المقلِّصة للمناعة، تجنّب ممارسة الجنس حتى زوال الغُمّة ورفع البلاء
  • إن لزَمْ، مارِسَ الجنسَ مع دائرة صغيرة من الشركاء فذلك يساعد على الحدِ من انتشار الفيروس
  • تجنّبْ الاتصال الوثيق–بما في ذلك ممارسة الجنس–مع الغرباء حتى زوالِ الوباء وخروج البشرية من نفقها المظلم الحالي (وتذكّر أنك لن تسيرْ وحيدا أبدًا يا ليفربول). مش لازم تيندر وبامبل دلوقتي يعني يا مصطفى
  • إذا كنتُ من هؤلاء الذين يكسبون لقمةَ عيشهم عبر ممارسة الجنس، قابل زبائنك عبر الإنترنت حتى إشعار آخر أو أعطِ كُسِّك أو زُبرَك استراحة قصيرة بين الشوطين (ومين عارف ماتش الكورونا هيكون كام شوط)
  • إن أمكن قلِلّْ من عدد شركاء الجنس في ذلك الوقت العصيب يا حسيب
  • شاهد الجنس عبر الإنترنت (بورن هَبْ بريميم مجاني يا محمود) أو مارِسَ الجنس عبر الفيديو أو في غُرف الدردشة أو عبر المراسلات الجنسية (سِكست)
  • طهِّر لوحة المفاتيح والفأرة وشاشات اللمس التي تشاركها مع الآخرين، خصوصًا تلك التي تستخدمها للاستمناء يا عفريت
  • تذكّر أثناء ممارسة الجنس مع الغرباء أن التقبيل قد ينقل عدوى الكورونا بسهولة. تجنّب تقبيل الغرباء حتى إشعارٍ آخر
  •  قد تنشر حواف الفرْج الكورونا، فالفيروس إن كان في البُراز قد يتسلل لفمِك، وإن كنتَ من عُشاق الدُشّ البُنّي فهذا وقت النظافة من الإيمان والبورن هَبْ بريميم مجاني كما سبق وذكرنا (تذكّر استخدام ڤي پي إن أميركي أو إيطالي أو ألماني فكلما زاد الداء في تلك البلادِ هلَّ الفَرَج)
  • قد يقلل الواقي، بما في ذلك الواقي الفَموي، من فرص ملامسة اللُعاب أو السوائل أو البُراز مما قد يقلصُ من فرص الإصابة بالفيروس يا منحوس
  •  الاستحمام قبل وبعد ممارسة الجنس أكثر أهميةً الآن من أيّ وقت مضى (وهو أمر مهم في العموم بغض النظر عن الكورونا يا مؤمن)
  • اغسل يديك بالماء الدافئ والصابون لمدة 20 ثانية على الأقل (غنِّ المقطع الرئيسي من لولاكي لولا لولا لولا… لولاكي لولا لولا لولا… لولاكي ما حبّيت) أربع مرّات على الأقل وأربعة كمان للّي بيحبّ النّبي)
  • معلومة لا بُدَ منها: الواقي الجنسي يقلل من فرص الإصابة بالأمراض المنقولة الجنسية (وقد تعرفُ ذلك زيادة عن اللزوم خصوصًا إن كنت من المحظوظين مثلي الذين حضروا طوعًا أو كرهًا إحدى تلك الدورات المدعومة من قِبَلِ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مصر في العِقدِ الأول من الألفيّة المنحوسة الحالية–وقد حظينا على الأقل بعصير المانجو ومعاينة الكوندوم لأول مرَة.. Hi5)

هذه التدوينة قد تُعجبُكَ (أو لا): الكوندوم لا يزال في جيبي (ثيمة من حرب أكتوبر المجيدة)

  • معلومة إضافية لهواة التسجيلات: لم يُعثر (بعد) على فيروس الكورونا في السائل المنوي أو المهبلي أي أن اللحس والمصّ والبلع مُباح ولكن لا داع للمجازفة بينما البشرية تواجه عدوًا لدودًا، فالاحتياط واجب خاصةً في زمنِ عسكرةِ الكورونا
  • عزيزتي المرأة: تأكدي من أن لديك وسيلة فعّالة لتحديد النسل وتنظيم الأسرة لبضعةِ أشهر مُقبلة على الأقل وإلا فوجئتِ بضيفٍ صغيرٍ غيرَ مُرحّبِ به في بدايات عام 2021 (وذاك سيكونُ عامًا أفضل من عامِنا الحالي للبشرية جمعاء بكل يقين وبلا شك ولو تحبّ تراهِن أراهِن) اسألي استشيري
  • وكما قال الزعيم: مش هنسلّم مش هنبوس.. مش هننقل الفيروس

يُرجى التعميم في كافة الأحياء والمراكز. وقد تُغيِّر إدارة الصحة في مدينة نيويورك التوصيات مع تطور الوضع، أو تدهوره. 

* هذه التدوينة ليست بأي حالٍ من الأحوال نصيحة طبية ولا ترجمة حرفية لمنشور رسمي صادر عن مدينة نيويورك في شهر مارس 2020 بالإنجليزية وما هو سوى نصٍ أدبي مستوحً من المنشور المذكور يا عصفور

نُشِرت في قلة أدب, برقيّات من بروكلين | تعليق واحد

كِلُن يعني كِلُن

فولي اليوم بالنعنع
وشايي بالياسمين
عَسَلي من بِشرّي
وتَبغي من جزّين

نبيذي قانٍ
وعَرَقي مُثلّث
مُعتصِمٌ بأَرْزي
وفيروزُ بَحْري

جَبَلي أبّيّ
وقهوتي ثورية
بِقاعي عَصيّ
وهُويَتي لبنانية

نُشِرت في قلة أدب | أضف تعليق

نبيذٌ تركيّ رخيص على طائرة إيرباص A330

عائدان من برلين، قطّي الأسود وأنا،

تمشّينا صوب الجدارُ المسدود،

تنزّهنا في حديقته،

وشربنا من جعّته،

احتفلنا بطقوس الشباب

على طريقة الصعاليك

منهمرين من حانة لحانة،

ومن مرقصٍ لآخر،

انغمسنا في شهوةِ الحب،

أحرقنا نشوته،

لعقنا عسَلَه،

واحتلّتنا لزوجته حتى الساعات الأولى من الصباح،

حين استيقظنا استغفرنا الحبيب،

خشعنا في محراب السعادة،

متلهفين ملاقاة بهجة ليلية جديدة،

تألمنا عندما خرجت نزواتنا عن المتن،

وعكفنا نسأل معنى الحياة،

ونستنكرُ العيش،

اختلطنا بأفكار بديعة،

وخالطَنا النسيم،

مرِحنا بين فجواته،

وأجبرَنا الوقت على التوقّف وتأملنا النهم

سائرين على أطراف أصابعنا

حتى لا نوقظُ الطفلَ فينا.

 

أًغلقَ شباكَ التذاكر،

وساعتي توقفت،

وقطار الموهبة إكسبرس لا يقف في محطتي الريفية،

حروفي عارية،

مجرّدُ حبرٍ على ورقٍ أبيض،

مُسطّر في كرّاسٍ،

على متنِ طائرةِ إيرباص

فوق محيطٍ أزرق،

جليسُ مقعدٍ ضيّق،

أحتسي نبيذًا تركيًا رخيصًا

بين شيخ يهودي حسيديّ يعتمر قبعة سوداء ملتهمًا توراته

وامرأة محجّبة مملّة تشاهد فيلمًا لتوم كرو وتحتسي شايًا سادة.

 

4044 كيلومترًا حتى مطارِ الوصول،

36000 كيلومترًا فوق سطح البحر،

بسرعة 848 كيلومترًا في الساعة،

5 ساعات منذ المغادرة.

 

كلماتيَ مهزوزة،

كرحلتيَ التي تتراقصُ فيها قنينةُ نبيذِ تركي

كراقصة شعبية فقيرة خارج القاهرة.

 

متى سأفك عقدة لساني؟

 

بعد ثلاثة أعوام سأقصدُ برلين مجددًا،

ولكن البهجة لن تكتمل تلك المرّة،

ستوقفني مندوبة طيران يونايتد،

وتحرُمني من مطر برلين

وثيقةُ سفَري مثلها مثل طموحي قصيرة الأجَل.

نُشِرت في قلة أدب | أضف تعليق